اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 497
لِأَهَبَ لَكِ
انا باذن الله إياي غُلاماً زَكِيًّا
طاهرا من عموم الرذائل والآثام مرتقيا في فنون الفضائل والكمالات الى أقصى الغايات مظهرا لانواع المعجزات والكرامات واصناف الارهاصات الخارقة للعادات
ثم لما سمعت عليها السّلام مقالته وتفطنت بنور الولاية انه امر الهى نازل من قبل الله قالَتْ متعجبة مشتكية أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ومن اين يحصل لي ولد وَلم يجر على أسبابه إذ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قط بالنكاح مساس مواقعة موجبة للحمل والحبل وَلَمْ أَكُ انا في مدة حياتي عاصية لله فاسقة خارجة عن مقتضى حدوده لأكون بَغِيًّا فاحشة زانية يولد منى ولد الزنا
قالَ جبرائيل عليه السّلام كَذلِكِ قد جرى حكم ربك وقد امضى عليه في سابق قضائه لا تستبعدى ولا تستعسرى إذ قد قالَ رَبُّكِ الذي رباك على العصمة والعفاف هُوَ اى إيجاد الولد لك بلا مساس البشر وسبق الأسباب العادية عَلَيَّ هَيِّنٌ سهل يسير إذ لا يعسر علينا شيء ولا يعجز قدرتنا عن مقدور بل إذا أردنا شيأ نقول له كن فيكون بلا سبق سبب وعلة وَانما نظهره ونوجده لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ دالة على كمال قدرتنا وبدائع صنعتنا وحكمتنا وَرَحْمَةً نازلة مِنَّا على كافة عبادنا سيما عليك يا مريم وَبالجملة قد كانَ خلق عيسى وظهوره بلا أب في العالم وعروجه الى السماء أَمْراً مَقْضِيًّا محكوما به كائنا مثبتا في لوح القضاء وحضرة العلم الإلهي ثم لما سمعت مريم ما سمعت قد نفخ جبرائيل عليه السّلام نفخة في درعها فوصلت أثرها الى جوفها فحبلت
فَحَمَلَتْهُ وصارت حاملة بعيسى فجاءة وكبر الولد في بطنها في تلك الساعة وبعد ما ظهر عليها من امارات الطلق ما ظهر فَانْتَبَذَتْ بِهِ اعتزلت لسبب حدوث هذا الأمر وتباعدت منفردة واختارت مَكاناً قَصِيًّا بعيدا عن العمران استحياء من أهلها ومن لوم الناس إياها وتعييرهم عليها بولادتها بلا زوج
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ وظهر امارات الولادة فالجأتها لان تشبث إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ اليابسة لتعتمد عليها عند الولادة وتستتر بها عن الناس قالَتْ حينئذ من شدة حزنها وكأبتها ووفور ضجرتها من ألم الملامة والفضاحة متمنية موتها يا لَيْتَنِي مِتُّ وعدمت قَبْلَ هذا اللوم والفضيحة وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا متروكا معدوما بحيث لا التفات لاحد الى أصلا
ثم لما وضعت حملها واشتدت الآلام عليها فَناداها اى نادى الوليد امه مِنْ تَحْتِها بالهام الله إياه تسلية لامه وتنشيطا لها عليك أَلَّا تَحْزَنِي يا أمي ولا يشتد عليك الأمر بسبب ولادتي وظهوري بلا أب واعلمي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ولدا سَرِيًّا سيدا مطيعا لله تقيا سجيا سخيا ذا إرهاصات كثيرة وكرامات كبيرة ومعجزات باهرة ظاهرة من جملتها انه قد ظهر لك من تحت رجلك نهر جار لدفع عطشك ولتطهير الفضلات عن بدنك وثيابك
وَلدفع جوعتك هُزِّي إِلَيْكِ حركي على نفسك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ التي أخذت أنت بيدك تُساقِطْ اى تتساقط منها ثمارها عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا بالغا في النضج والصلاح غايته وحان وقت اجتنائه قيل قد كانت تلك النخلة يابسة لا رأس لها والوقت وقت الشتاء فتغصنت في تلك الحالة واثمرت ونضجت ثمارها كرامة لعيسى وإرهاصا لامه صلوات الرّحمن عليهما
فَكُلِي يا أمي من النخلة وَاشْرَبِي من النهر وَقَرِّي عَيْناً اى نوري عينيك بولدك وطيبي نفسك به فَإِمَّا تَرَيِنَّ وان رأيت مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً يسألك عن حالك وولدك فَقُولِي في جوابه يعنى اشيرى اليه وافهميه إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً سكوتا وصمتا عن التكلم مدة فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا اى إنسانا والحكمة في الهام الله إياها بالصمت والسكوت
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 497